29‏/1‏/2014

من ليلة الحب..لهاجس الرحيل..

 
 
 
 
" على امتداد السقوط بقايا..أبذل أملاً أن أقدر على أخذ شيء منها..
يصفعني الفشل بقسوة..يرتعد السلام الذي نشأ في أعماقي ولا اقدر على معانقته..أعاقبة بالمزيد من التمرد..يتجرد ويدعني وحدي..أكابر على غيابه وأبعث ابتسامه كتلك المفتعلة حينما تداهمنا الحياة وتهمس: صورة جماعية!! 
"
" أبدو على حافة الرحيل واستمر في محاولة تخليد أخر رشفة من ماء روحي "

يتذكر حين قرأ هذه الكلمات وقدرتها الفائقة على تعريته..تشبه تماماً عيناها حينما تنظر له وهي تميل برأسها قليلاً مع ابتسامتها المربكة له..
مُخزي أن تظهر سوءته بهذا الوضوح..وتظل مفتونه محبه بصدق!!

اكتبيني..
أين..؟؟
في قلبكِ..بين أفكارك..ومحيط ذاكرتكِ..
وأين..؟؟
في تفاصيلكِ..وبين أشيائكِ..وعميق أحلامكِ..
وأين..؟؟
في دفتركِ الذي يختبئ بجانب وسادتكِ..
وترقد يدكِ على دفته..كما ترقد على صدري الآن..
متى..؟
حين أرحل..



تتعالى ضحكاتها..وتصبح أشهى.. تميل برأسها للخلف ويتمطى جيدها فتنه..تؤرقه سلسلتها الذهبية التي طوقها بها ذات شتاء وهي تتكور في حضنه..يشعر أنها تقاسمه أنثاه..!
وتشتعل في قلبه قصيدة..يكتبها قُبلات..صدرها مطبوع على عينيها..وعجزها مغموس في شفتيها..


ســ تكتبيني..؟؟
نعم..
أين..؟؟
في الصفحة الأخيرة من هذا الدفتر..وأحرقه..
وأين ستكتبين بعد ذلك..؟!
سأبتاع لي غيره..
متى..
حين ترحل..


يقبض على كفها بعنف..يلوي ذراعها خلفها..ينهض بها من على صدره..
يشد ذراعها أكثر..يقلبها على ظهرها..تُشيح بوجهها عنه..يتجمد بين شعرها ونحرها ويهوي رأسه حيث قرطها..ويهمس..


ماذا تنوين..؟؟
إلغاؤكَ..محوكَ..
ستفعلين..
إبدالكَ..
ستجدين..
وأكتبه..
ستبدعين..
وأعشقه بجنون..
ستأسرين..
وأحبه..
نعم..نعم..ستفعلين..
لكني أحبكِ..!!
هذا فقط حين ترحل..



يصمت..ويتثاقل جسده فوقها..تحرر يدها من قبضته وتدفعه..
ينقلب جثة هامدة..كالمقتول..!
وحيث عيناه عالقة في النافذة تسير..وقبل أن تصل إلى حيث ينظر تتوقف..يتحول ببصره عن النافذة ويتأملها طويلاً..
يمد يده.. فتعود تقفز إلى جانبه وتتكئ على صدره لتنغرس في قلبه أكثر..


ســ أفتقدكِ..
أوَ تشتاق..؟!
إلى أن ينخلع ضلعي الذي يحتضن قلبي..
ستعريه..؟؟
ولن يشعر بالدفء أبدا..
ألن تحاول رتقه..؟؟
ستنخرق كل الرقع..فهي ليست مني..
وهل أنا منكَ..؟؟
أنتِ كلي..
أحبكَ ..فقط لا ترحل..


تدنو منه..وتتدلى..تهيج في قلبه أغنية ويدندن:
" كنتِ إعجاز وسحر..كنتِ دنيا من طهر.. كان نوركِ في جبين الكون بادي..كان في صمتكِ طرب..كان في عيونكِ شغب..كان حسنكِ للحسن يرسي مبادئ..كنتِ في أجمل حضوركِ..كنتِ في أعدل غروركِ"
تغرس أنفها وشفتيها حيث منابت شعره أعلى جبينه وتُقبله..تنسحب إلى حيث التقاء حاجبيه وتطبع ثانية..ثم ترتفع لأعلى قمم أنفه وتضع ثالثه..ثم تنزل لتحشر رابعة بين أرنبة أنفه وشفته العليا..
وتنساب لتضع الأخيرة على ذقنه..


أعلم أنكِ كاذبة متفوقة..وأنكِ لا تُظهرين جزعكِ..
أعلم أنكَ مراوغ ماكر يستهويك حزني..
وستبكين..؟
ومن ثمة سأنام ملء جفني..
وحينما تستيقظين؟؟
سأفتح نوافذي للنور..وأقتني عطر جديد..
وحين تُمسين..؟
سأضع عطري الذي ابتعته.. لرجل آخر..
كاذبة..كاذبة..
أخرج من هذا الباب وتلصص من النافذة ذات مساء لتتأكد..!


سحبت دفترها وبدأت تكتب..نهض مسرعاً يتتبع رقصات القلم بين أصابعها..
من ليلة الحب أكتب رسالة..لهاجس الرحيل..
أما بعد:
لستُ ياحبي ممن يبكي المغادرين.. ولا ممن يتتبع خطى الراحلين..
ولا ممن يقتات الحب من على موائد الزيف..ولا يشبع حبي الفتات..
لن أبدد عمري في انتظار سحابات غيثكَ..ولن أنكس أعلام مملكتي وأسلمها للزاهدين..
ولن أنثر بعدكَ نداءات الصمم..!
وحين أتذكركَ سأبصق عن يساري وأستعيذ بالله منكَ..
فرحيلكَ ليس إلا نهايتنا..وبدايتي...

هذه الصفحة الأخيرة..
التوقيع:حبيبتكَ سابقاً..وللأبد..

أغلقت الدفتر ودفعته له ..لم يعد الاثنان يعنيانها من هذه اللحظة..
وفي دوامة صمته وذهوله..تراكمت الأسئلة.. تعلقت بأعماقه..
اجترت داخله للخارج في رحلة وجع مريرة..لـ يصرخ السؤال في محاولة نجاة بإجابة..



ماذا تفعلين..؟
أُطبق افتراضك..وأرحل..
لكني أمازحكِ..
أما أنا فـ جادة.. 
من يحدثني في ليلة الحب عن الرحيل لا يستحق قطعاً وقتي الثمين..!!
حاول حينها أن تبكيني أو تكتبني..
أو جرب نسياني.

 

خرجت بهدوء كما دخلت لم تفارق وجهها بسمة لطالما استقبلته وودعته بها..
كان الأمل بالحب أكبر من محيط يأسها منه..
سحبت خلفها باب النهاية المُؤصدة..
وأغلقته إلى يوم يبعثون.

تأكد في هذه اللحظة أنه لم يخسر كل الوقت الممنوح له في شغف إبقاء رائحته على ذاكرتها..
بل وخسر حبها..
لأول مرة يفهم أن الحب طريقة ليس غاية يجب الانتهاء لها.